لن نتحدث اليوم عن أفلام مبنية على قصص الكوميكس، وإنما سنتحدث عن أفلام تتحدث عن قصص الكوميكس ذات نفسها وفكرة الصراع الأزلي بين الخير والشر.
ثلاثية المخرج “م. نايت شيامالان” المعروفة بـ (Unbreakable Trilogy) أو رسمياً بـ (Estrail 177 Trilogy) هي ثلاثية عن نشأة الأبطال الخارقين وأعدائهم الأزليين، ولكن في إطار يتميز بالواقعية الشديدة .. ولذلك يمكن تصنيفها كسلسلة رعب نفسي بالإضافة لتصنيفها كسلسلة أبطال خارقين.
السلسلة تتكون من:
Unbreakable (2000), Split (2017) and Glass (2019).
وتعد هي الثلاثية الوحيدة من نوعية أفلام الأبطال الخارقين التي تم تأليفها وإخراجها بالكامل من قبل نفس الشخص.
وضع “شيامالان” في ثلاثيته من خلال القصة والسيناريو وكادرات التصوير أيضاً فكرة أن هناك قوى خارقة غير تقليدية لدى الجميع ولكن بدرجات مختلفة .. أراد أن يصل بالمشاهد إلى درجة التصديق بإمكانية وجود هؤلاء الأبطال حولنا بعيداً عن الأبطال الذين نقرأ مغامراتهم بقصص الكوميكس أو نشاهدها على الشاشات .. هناك العديد من المشاهد خلال الثلاثية التي ترسخ هذه الفكرة، فكرة أن القصص المصورة في أصلها مستوحاة من الواقع مع العديد من الإضافات والتغييرات.
الثلاثية ككل وخاصةً الجزء الأول منها (Unbreakable) تركت علامة مميزة لدى قراء الكوميكس تحديداً لما تحويه من إشارات لفن الكوميكس الراقي وكيفية رسم الشخصيات والمعنى وراء ذلك.
بعض هذه اللمحات يظهر عندما نجد في هذا الفيلم الطفل “إلايجا برايس” الذي يُولد بنوع نادر من أمراض هشاشة العظام، ويلقبه زملاؤه بالمدرسة “الزجاجي” .. ولكي تحفزه والدته على الخروج للعالم تهدي له أحد قصص الكوميكس وتعده بالمزيد.
غلاف تلك القصة نجد “إلايجا / صامويل إل جاكسون” بعد عدة سنوات يقوم بشرحه لأحد زبائن محله الخاص بفن الكوميكس (Limited Edition) .. فكرة رسم البطل الخارق بهيئة مثالية، في حين يتم رسم الوحش برأس كبيرة لا تتناسب مع جسمه .. وفي نهاية الفيلم عندما يستغرب “دايفيد دان / بروس ويليز” من رسم عيني الشخص الشرير في أحد رسومات “يوهان ديفيس” الأولية بأنه غير مخيف، فتشرح له والدة “إلايجا” أن هناك نوعان من الأشرار في عالم الكوميكس .. الجندي الشرير الذي يقاتل البطل بيديه، والنوع الأخطر وهو العدو اللدود الذي يحارب البطل بواسطة تفكيره، وهذا هو التهديد الحقيقي.
في عام 2011، قامت جريدة تايم باعتبار (Unbreakable) في المركز الرابع في تصنيف أفضل عشرة أفلام خاصة بالأبطال الخارقين على مدار التاريخ .. بينما يعتبره المخرج العبقري “كوينتين تارانتينو” في قائمته المفضلة لأفضل 20 فيلم.
بالإضافة إلى فكرة نشأة الصراع بين الخير والشر، يصور لنا “شيامالان” في هذا الفيلم فكرة مختلفة عن كيفية تكون البطل والشرير .. فمن وجهة نظره “لا يمكن للخير أن يوجد بدون الشر، والشر لا يمكن أن يوجد بدون الخير” .. الفكرة الكلاسيكية في معظم قصص الكوميكس عن أن البطل هو من يصنع الشرير كنتيجة جانبية لأفعاله، ولكن هنا نجد أن الشخص الشرير (Mr. Glass) هو من صنع البطل (The Overseer) وأيضاً في نهاية الثلاثية تكتشف أنه من صنع الشرير الآخر (The Horde) أيضاً.
وكما يحدث في قصص الكوميكس .. نجد أن البطل “دافيد جان” يتميز بلون معين طوال أحداث الفيلم، وهو اللون الأخضر .. في حين يتميز “إلايجا برايس” باللون البنفسجي .. فنجد هذا اللون في ملابسهم والورق الحائط في منازلهم وملاءات السرير، وفي خطاب “إلايجا” إلى “ديفيد” والعديد من الأشياء الأخرى …. وأيضاً نجد “شيامالان” ميز الأشخاص الأشرار الذين يلمسهم البطل مميزين بلون براق (أحمر أو أخضر) مختلف عن اللون الغامق للأشخاص المحيطين.
تتم الإشارة أيضاً في الجزء الثالث إلى بداية تاريخ قصص الكوميكس والذي يرجع إلى عام 1928، ثم البداية الحقيقية عام 1938 مع شخصية “سوبرمان” .. ويؤكد “شيامالان” من خلال الفيلم أن قدرات الأبطال الخارقين في تطور مستمر، فمثلاً “سوبرمان” في بداياته لم يكن يطير، ثم تطورت قدراته بعد ذلك.
على الرغم من أن الأفلام مرتبطة ببعضها، إلا أن كل فيلم له طابعه المستقل .. الفيلم الأول (Unbreakable) هو فيلم عن نشأة البطل الخارق (Origin Story) ولكنه فيلم غموض في الأساس .. الفيلم الثاني (Split) يتحدث عن نشأة الشرير، وفي نفس الوقت يعد من ضمن أفلام الرعب النفسي .. أمام الثالث (Glass) هو عن الصراع بين الخير والشر والشكوك التي تراود الأبطال والأشرار في نفس الوقت عن حقيقتهم.
كانت خطة “شيامالان” في البداية أن شخصة (The Horde) ستكون هي من واجهه “دفيد جان” في الجزء الأول وأنقذ الطفلين منه، ولكن تم حذف هذا الجزء من قصة الفيلم لإضافة المزيد من البساطة في الفكرة والتركيز على شخصية البطل الخارق .. وعلى الرغم من أن كلاً من “بروس ويليز” و”صامويل إل جاكسون” أعربوا عن رغبتهم في عمل جزء ثانٍ، إلا أن عدم نجاح الفيلم بالشكل الكافي في شباك التذاكر جعل “شيامالان” يتراجع عن تلك الفكرة تماماً.
مع مرور الوقت .. تكون لهذا الفيلم العديد من الجماهير المؤمنة به، مما أعاد فكرة طرح التكملة ولكن بشكل مختلف هذه المرة .. وفي أحد مشاريع “شيامالان” وهو (Split) فوجيء الجمهور بوجود شخصية “دافيد جان” في نهاية الفيلم مع إشارة لشخصية (Mr. Glass).
يعد فيلم (Split) هو أول فيلم خاص بنشأة أحد الأشرار .. تفاوض “شيامالان” مع شركة “والت ديزني” صاحبة حقوق الفيلم الأول من أجل استخدام الشخصيات في نهاية هذا الفيلم.
قام النجم “جيمس ماكفوي” بأداء 8 شخصيات من ال24 شخصية التي بداخله .. زادهم في الجزء الثالث إلى 20 شخصية، وتلقى العديد من الإشادة من الجمهور والنقاد على أدائه في الفيلمين.
صدر في يناير 2017 .. ويعد هذا الفيلم أكثر الأفلام ربحاً في عام 2017، فمن ميزانية 9 مليون دولار .. وصلت أرباحه إلى 278 مليون دولار عالمياً …. مما شجع الجميع على البدء مباشرة في العمل على الجزء الثالث (Glass).
في يناير 2019 صدر الفيلم الثالث (Glass) .. أراد “شيامالان” في هذا الفيلم العمل على الصراع الداخلي لنفوس أبطال الفيلم .. هل هم أبطال خارقون فعلاً أم أنها كانت مجرد هلوسات وخيالات نفسية .. على الرغم من نجاح الفيلم إلى حد ما في شباك التذاكر ولكنه في المجمل جاء مخيباً لآمال الجماهير وتعرض للنقد من عدد من النقاد.
اختيار الممثلة التي قامت بدور الطبيبة النفسية لم يكن على القدر المطلوب من الكفاءة .. كما أنه كيف استطاعت بمجرد حوارات بسيطة أن تثير الشك داخل نفوس كل منهم، على الرغم مثلاً من أن البطل يحارب الجريمة منذ حوالي عشرين عاماً!!!!
وأحد أكبر الأخطاء التي وقع فيها “شيامالان” هو عدم إظهاره للصراع الداخلي للبطل الخارق (The Overseer) بشكل كافي .. وفي مجمل الفيلم فهذا البطل لم يأخذ قدره في الفيلم .. هذا الفيلم الذي يعد كجزء ثاني لفيلم (Split) أكثر منه لفيلم (Unbreakable) .. ولكن الصراع في نهاية الفيلم تميز بالواقعية الشديدة والمميزة عن باقي أفلام الأبطال الخارقين.
وعلى الرغم من هذا النقد .. يعترف الجميع بأن التحول في نهاية الفيلم كان أكثر من رائع كعادة أفلام “شيامالان” .. مع وجود العديد من الإشارات لما يحدث في قصص الكوميكس مماثل لهذه الأحداث.
الثلاثية في المجمل أكثر من رائعة ومميزة في عالم أفلام الأبطال الخارقين، وتحديداً الفيلم الأول (Unbreakable).